فصل: 4- صفة التعزير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.4- صفة التعزير:

والتعزير يكون بالقول: مثل التوبيخ، والزجر، والوعظ، ويكون بالفعل، حسب ما يقتضيه الحال، كما يكون بالضرب، والحبس، والقيد، والنفي، والعزل والرفت.
روى أبو داود، أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم، بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء.
فقال صلى الله عليه وسلم: ما بال هذا؟ فقالوا: يتشبه بالنساء.
فأمر به فنفي إلى البقيع.
فقالوا: يا رسول الله، نقتله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إني نهيت عن قتل المصلين».
ولا يجوز التعزير بحلق اللحية، ولا بتخريب الدور، وقلع البساتين، والزروع، والثمار، والشجر.
كما لا يجوز بجدع الانف، ولا بقطع الاذن أو الشفة أو الانامل، لان ذلك لم يعهد عن أحد من الصحابة.

.5- الزيادة في التعزير على عشرة أسواط:

تقدم حديث هانئ بن نيار، النهي في التعزير عن الزيادة على عشرة أسواط.
وقد أخذ بهذا، أحمد، والليث، وإسحق، وجماعة من الشافعية، فقالوا: لا تجوز الزيادة على عشرة أسواط التي قررها الشارع.
وذهب مالك، والشافعي، وزيد بن علي، وآخرون، إلى جواز الزيادة على العشرة، ولكن لا يبلغ أدنى الحدود.
وقالت طائفة: لا يبلغ بالتعزير في المعصية قدر الحد فيها.
فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة حد الزنى، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع، ولا على السب من غير قذف حد القذف.
وقيل: يجتهد ولي الأمر، ويقدر العقوبة حسب المصلحة وبقدر الجريمة.

.6- التعزير بالقتل:

والتعزير بالقتل أجازه بعض العلماء، ومنعه بعض آخر.
وقد جاء في ابن عابدين نقلا عن الحافظ بن تيمية: إن من أصول الحنفية، أن مالا قتل فيه عندهم، مثل القتل بالمثقل، وفاحشة الرجال، إذا تكررت، فللامام أن يقتل فاعله، وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك.

.7- التعزير بأخذ المال:

ويجوز التعزير بأخذ المال، وهو مذهب أبي يوسف، وبه قال مالك.
قال صاحب معين الحكام: ومن قال: إن العقوبة المالية منسوخة،
فقد غلط على مذاهب الائمة، نقلا واستدلالا، وليس يسهل دعوى نسخها، والمدعون للنسخ ليس معهم سنة ولا إجماع، يصحح دعواهم إلا أن يقولوا: مذهب أصحابنا لا يجوز.
وقال ابن القيم: إن النبي صلى الله عليه وسلم، عزر بحرمان النصيب المستحق من السلب، وأخبر عن تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر ماله.
فقال صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه أحمد، وأبو داود، والنسائي: «من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها، وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا».

.8- التعزير من حق الحاكم:

والتعزير يتولاه الحاكم، لأن له الولاية العامة على المسلمين.
وفي سبل السلام: وليس التعزير لغير الإمام، إلا لثلاثة:
1- الأول الاب، فإن له تعزير ولده الصغير للتعليم، والزجر عن سيئ الاخلاق، والظاهر أن الأم في مسألة زمن الصبا، في كفالته، لها ذلك، والأمر بالصلاة، والضرب عليها، وليس للاب تعزير البالغ، وإن كان سفيها.
2- والثاني السيد، يعزر رقيقه في حق نفسه، وفي حق الله تعالى، على الاصح.
3- والثالث الزوج، له تعزير زوجته في أمر النشوز، كما صرح به القرآن، وهل له ضربها على ترك الصلاة ونحوها؟ الظاهر أن له ذلك إن لم يكف فيها الزجر، لأنه من باب إنكار المنكر،
والزوج من جملة من يكلف بالانكار باليد، أو اللسان، أو الجنان، والمراد هنا الأولان.اهـ.
وكذلك يجوز للمعلم تأديب الصبيان.

.9- الضمان في التعزير:

ولا ضمان على الاب إذا أدب ولده.
ولا على الزوج إذا أدب زوجته.
ولا على الحاكم إذا أدب المحكوم بشرط ألا يسرف واحد منهم، ويزيد على ما يحصل به المقصود.
فإذا أسرف واحد منهم في التأديب كان متعديا، وضمن بسبب تعديه ما أتلفه.

.السلام في الإسلام:

إن السلام مبدأ من المبادئ التي عمق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، فأصبحت جزءا من كيانهم، وعقيدة من عقائدهم.
لقد صاح الإسلام - منذ طلع فجره، وأشرق نوره - صيحته المدوية في آفاق الدنيا، يدعو إلى السلام، ويضع الخطة الرشيدة التي تبلغ بالإنسانية إليه.
إن الإسلام يحب الحياة، ويقدسها، ويحبب الناس فيها، وهو لذلك يحررهم من الخوف، ويرسم الطريقة المثلى لتعيش الإنسانية متجهة إلى غاياتها من الرقي والتقدم، وهي مظللة بظلال الأمن الوارفة.
ولفظ الإسلام - الذي هو عنوان هذا الدين - مأخوذ من مادة السلام،
لأن السلام والإسلام، يلتقيان في توفير الطمأنينة، والأمن، والسكينة.
ورب هذا الدين من أسمائه السلام، لأنه يؤمن الناس بما شرع من مبادئ، وبما رسم من خطط ومناهج.
وحامل هذه الرسالة هو حامل راية السلام، لأنه يحمل إلى البشرية الهدى، والنور، والخير، والرشاد.
وهو يحدث عن نفسه، فيقول: «إنما أنا رحمة مهداة».
ويحدث القرآن عن رسالته، فيقول: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
وتحية المسلمين التي تؤلف القلوب وتقوي الصلات وتربط الإنسان بأخيه الإنسان، هي السلام.
وأولى الناس بالله وأقربهم إليه من بدأهم بالسلام.
وبذل السلام للعالم، وإفشاؤه جزء من الايمان.
وقد جعل الله تحية المسلمين بهذا اللفظ، للاشعار بأن دينهم دين السلام والأمان، وهم أهل السلم ومحبو السلام.
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله جعل السلام تحية لامتنا، وأمانا لاهل ذمتنا».
وما ينبغي للانسان أن يتكلم مع إنسان قبل أن يبدأه بكلمة السلام.
يقول رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم: «السلام قبل الكلام».
وسبب ذلك: أن السلام أمان، ولا كلام إلا بعد الأمان.
والمسلم مكلف وهو يناجي ربه بأن يسلم على نبيه، وعلى نفسه، وعلى عباد الله الصالحين، فإذا فرغ من مناجاته لله وأقبل على الدنيا، أقبل عليها من جانب السلام، والرحمة، والبركة.
وفي ميدان الحرب والقتال، إذا أجرى المقاتل كلمة السلام على لسانه، وجب الكف عن قتاله.
يقول الله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}.
وتحية الله للمؤمنين تحية سلام: {تحيتهم يوم يلقونه سلام}.
وتحية الملائكة للبشر في الآخرة سلام: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم}.
ومستقر الصالحين دار الأمن والسلام.
{والله يدعو إلى دار السلام}.
{لهم دار السلام عند ربهم}.
وأهل الجنة لا يسمعون من القول ولا يتحدثون بلغة غير لغة السلام: {لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما}.
وكثرة تكرار هذا اللفظ - السلام - على هذا النحو، مع إحاطته بالجو الديني النفسي، من شأنه أن يوقظ الحواس جميعها، ويوجه الافكار والانظار إلى هذا المبدأ السامي العظيم.
اتجاه الإسلام نحو المثالية بل إن الإسلام يوجب العدل ويحرم الظلم، ويجعل من تعاليمه السامية وقيمه الرفيعة من المودة، والرحمة، والتعاون، والايثار، والتضحية، وإنكار الذات، ما يلطف الحياة ويعطف القلوب، ويؤاخي بين الإنسان وأخيه الإنسان.
وهو بعد ذلك كله يحترم العقل الإنساني، ويقدر الفكر البشري، ويجعل العقل والفكر وسيلتين من وسائل التفاهم والاقناع.
فهو لا يرغم أحدا على عقيدة معينة، ولا يكره إنسانا على نظرية خاصة بالكون أو الطبيعة أو الإنسان، وحتى في قضايا الدين يقرر أنه {لا إكراه في الدين}، وأن وسيلته هي استعمال العقل والفكر والنظر فيما خلق الله من أشياء.
يقول الله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}.
ويقول تعالى: {ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}.
{وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون}.
{قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون}.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن وظيفته إلا أنه مبلغ عن الله وداعية إليه.
يقول الله تعالى: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا}.
العلاقات الإنسانية الإسلام لا يقف عند حد الاشادة بهذا المبدأ فحسب، وإنما يجعل العلاقة بين الافراد، وبين الجماعات، وبين الدول، علاقة سلام وأمان، يستوي في ذلك علاقة المسلمين بعضهم ببعض، وعلاقة المسلمين بغيرهم.
وفيما يلي بيان ذلك:

.علاقة المسلمين بعضهم ببعض:

1- جاء الإسلام ليجمع القلب إلى القلب، ويضم الصف إلى الصف، مستهدفا إقامة كيان موحد، ومتقيا عوامل الفرقة والضعف، وأسباب الفشل والهزيمة، ليكون لهذا الكيان الموحد القدرة على تحقيق الغايات السامية، والمقاصد النبيلة، والاهداف الصالحة التي جاءت بها رسالته العظمى: من عبادة الله، وإعلاء كلمته، وإقامة الحق، وفعل الخير، والجهاد من أجل استقرار المبادئ التي يعيش الناس في ظلها آمنين.
فهو لهذا كله يكون روابط وصلات بين أفراد المجتمع، لتخلق هذا الكيان وتدعمه.
وهذه الروابط تتميز بأنها روابط أدبية، قابلة للنماء والبقاء، وليست كغيرها من الروابط المادية التي تنتهي بانتهاء دواعيها، وتنقضي بانقضاء الحاجة إليها.
إنها روابط أقوى من روابط: الدم، واللون، واللغة، والوطن والمصالح المادية، وغير ذلك مما يربط بين الناس.
وهذه الروابط من شأنها أن تجعل بين المسلمين تماسكا قويا، وتقيم منهم كيانا يستعصي على الفرقة وينأى عن الحل.
وأول رباط من الروابط الأدبية هو رباط الايمان، فهو المحور الذي تلتقي عنده الجماعة المؤمنة.
فالايمان يجعل من المؤمنين إخاء أقوى من إخاء النسب.
{إنما المؤمنون إخوة}.
{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}.
«المسلم أخو المسلم».
وطبيعة الايمان تجمع ولا تفرق، وتوحد ولا تشتت: «المؤمن ألف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف».
والمؤمن قوة لاخيه: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا».
وهو يحس بإحساسه، ويشعر بشعوره، فيفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، ويرى أنه جزء منه: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».
والإسلام يدعم هذا الرباط ويقوي هذه العلاقة بالدعوة إلى الاندماج في الجماعة والانتظام في سلكها.
وينهى عن كل ما من شأنه أن يوهن من قوته أو يضعف من شدته، فالجماعة دائما في رعاية الله وتحت يده.
«يد الله مع الجماعة، ومن شذ، شذ في النار».
وهي المتنفس الطبيعي للانسان، ومن ثم كانت رحمة.
«الجماعة رحمة، والفرقة عذاب».
والجماعة مهما صغرت فهي على أي حال خير من الوحدة، وكلما كثر عددها، كانت أفضل وأبر.
«الاثنان خير من واحد، والثلاثة خير من الاثنين، والأربعة خير من الثلاثة، فعليكم بالجماعة، فإن الله لن يجمع أمي إلا على الهدى».
وعبادات الإسلام كلها لا تؤدى إلا جماعة.
فالصلاة تسن فيها الجماعة، وهي تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.
والزكاة معاملة بين الاغنياء والفقراء.
والصيام مشاركة جماعية، ومساواة في الجوع في فترة معينة من الوقت.
والحج ملتقى عام للمسلمين جميعا كل عام، يجتمعون من أطراف الأرض على أقدس غاية.
«وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يقرأون القرآن ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الرحمة، وذكرهم الله في ملا عنده».
ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام، يحرص على أن يجتمع المسلمون حتى في المظهر الشكلي: فقد رآهم يوما وقد جلسوا متفرقين، فقال لهم: اجتمعوا فاجتمعوا، فلو بسط عليهم ثوبه لوسعهم.
وإذا كانت الجماعة هي القوة التي تحمي دين الله، وتحرس دنيا المسلمين، فإن الفرقة هي التي تقضي على الدين والدنيا معا.
ولقد نهى عنها الإسلام أشد النهي، إذ أنها الطريق المفتوح للهزيمة، ولم يؤت الإسلام من جهة كما أتي من جهة الفرقة التي ذهبت بقوة المسلمين، والتي تخلف عنها: الضر، والفشل، والذل، وسائر ما يعانون منه.
{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}.
{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.
{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}.
{ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا}.
{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ}.
«لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا».
ولن تصل الجماعة إلى تماسكها إلا إذا بذل لها كل فرد من ذات نفسه، وذات يده، وكان عونا لها في كل أمر من الأمور التي تهمها.
سواء أكانت هذه المعاونة معاونة مادية أو أدبية، وسواء أكانت معاونة ب: المال، أو العلم، أو الرأي، أو المشورة.
فالناس عيال الله، أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.
«خير الناس أنفعهم للناس».
«إن الله يحب إغاثة اللهفان».
«اشفعوا تؤجروا».
المؤمن مرآة المؤمن، يكف عنه ضيعته ويحوطه من ورائه.
«إن أحدكم مرآة أخيه، فإن رأى منه أذى فليحطه عنه».
وهكذا يعمل الإسلام على تحقيق هذه الروابط حتى يخلق مجتمعا متماسكا، وكيانا قويا، يستطيع مواجهة الاحداث، ورد عدوان المعتدين.
وما أحوج المسلمين في هذه الاونة إلى هذا التجمع.
إنهم بذلك يقيمون فريضة إسلامية، ويحرزون كسبا سياسيا، ويحققون قوة عسكرية، تحمي وجودهم، ووحدة اقتصادية توفر لهم كل ما يحتاجون إليه من ثروات.
لقد ترك الاستعمار آثارا سيئة، من: ضعف في التدين، وانحطاط في الخلق، وتخلف في العلم، ولا يمكن القضاء على هذه الافات الاجتماعية الخطيرة، إلا إذا عادت الأمة موحدة الهدف، متراصة البنيان، مجتمعة الكلمة، كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا.
قتال البغاة هذا هو الاصل في العلاقات والروابط التي تربط بين المسلمين، فإذا حدث أن تقطعت بينهم هذه العلاقات، وانفصلت عرى الاخاء، وبغى بعضهم على بعض، وجب قتال الباغي حتى يرجع إلى العدل، وإلى الانتظام في سلك الجماعة.
يقول الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين}.
فالآية تقرر أن المؤمنين إذا تقاتلوا وجب على جماعة من ذوي الرأي أن تتدخل فورا، وتصلح بين المتقاتلين، فإن بغت طائفة على الاخرى، ولم ترضخ للصلح، ولم تستجب له، وجب على المسلمين جميعا أن يتجمعوا لقتال هذه الطائفة الباغية.
وقد قاتل الإمام علي الفئة الباغية، كما قاتل أبو بكر الصديق مانعي الزكاة، وقد اتفق الفقهاء على أن هذه الفئة الباغية لا تخرج عن الإسلام ببغيها لأن القرآن الكريم وصفها بالايمان، مع مقاتلتها، فقال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}.
ولهذا فإن مد برهم لا يقتل، وكذلك جريحهم، وأن أموالهم لا تغنم، وأن نسائهم وذراريهم لا تسبى، ولا يضمنون ما أتلفوا حال الحرب، من نفس ومن مال.
وأن من قتل منهم غسل وكفن وصلي عليه.
أما من قتل من الطائفة العادلة، فإنه يكون شهيدا، فلا يغسل ولا يصلى عليه، لأنه قتل في قتال أمر الله به، فهو مثل الشهيد في معركة الكفار.
هذا إذا كان الخروج على إمام المسلمين الذي اجتمعت عليه الجماعة في قطر من الاقطار، وكان هذا الخروج مصحوبا بامتناع عن أداء الحقوق المقررة بمصلحة الجماعة أو مصلحة فراد، بأن يكون القصد منه عزل الإمام.
وجملة القول انه لا بد من صفات خاصة يتميز بها الخارجون حتى ينطبق عليهم وصف البغاة.
وجملة هذه الصفات هي:
1- الخروج عن طاعة الحاكم العادل التي أوجبها الله على المسلمين لاولياء أمورهم.
2- أن يكون الخروج من جماعة قوية، لها شوكة وقوة، بحيث يحتاج لحاكم في ردهم إلى الطاعة، إلى إعداد رجال ومال وقتال.
فإن لم تكن لهم قوة، فإن كانوا أفرادا، أو لم يكن لهم من العتاد ما يدفعون به عن أنفسهم، فليسوا ببغاة، لأنه يسهل ضبطهم وإعادتهم إلى الطاعة.
3- أن يكون لهم تأويل سائغ يدعوهم إلى الخروج على حكم الإمام، فإن لم يكن لهم تأويل سائغ كانوا محاربين، لا بغاة.
4- أن يكون لهم رئيس مطاع يكون مصدرا لقوتهم، لأنه لا قوة لجماعة لا قيادة لها.هذا هو شأن البغاة وحكم الله فيه.
أما إذا كان القتال لاجل الدنيا، وللحصول على الرئاسة ومنازعة أولي الأمر، فهذا الخروج يعتبر محاربة ويكون للمحاربين حكم آخر يخالف حكم الباغين، وهذا الحكم هو الذي ذكره الله في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم}.
فهؤلاء المحاربون جزاؤهم القتل أو الصلب أو تقطيع الايدي والارجل من خلاف، أو الحبس والنفي من الأرض: حسب رأي الحاكم فيهم، وجرائمهم التي ارتكبوها، ومن قتل منهم فهو في النار، ومن قتل من مقاتليهم فهو شهيد.
فإذا كان القتال صادرا من الطائفتين، لعصبية، أو طلب رئاسة، كان كل من الطائفتين باغيا، ويأخذ حكم الباغي.